فصل: من الحوادث في هذه الأيام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.من الحوادث في هذه الأيام:

وقوع الموت الذريع في الأبقار حتى صارت تتساقط في الطرقات.
ومات لابن بسيوني غازي بناحية سنديون خاصة مائة وستون ثوراً وقس على ذلك.
وفي عاشره طلب الباشا حوضاً ليعمله حنفية فأخبره الحاضرون وعرفوه بالحوض الذي تحت الكبش المعروف بالحوض المرصود، فأمر بإحضاره فأرسلوا إليه الرجال والحمالين وأرادوا رفعه من مكانه فازدحمت عليه الناس من الرجال والنساء لما تسامعوا بذلك لينظروا ما شاع. وثبت في أذهانهم من أن تحته كنزاً وهو مرصود على شيء من العجائب أو نحو ذلك، وأن الباشا يريد الكشف عن أمره، فلما حصل ذلك الازدحام ووجده الحمالون ثقيلاً جداً وهم لا يعرفون صناعة جر الأثقال وحركوه عن مكانه يسيراً، وبلغ الباشا ما حصل من ازدحام العامة أمر بتركه فتركوه ومضوا، فذهب العامة في أماذيبهم كل مذهب فمنهم من يقول إنهم لما حركوه وأرادوا جره رجع بنفسه ثانياً، ومنهم من يقول غير ذلك من السخافات.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره وصل نيف وثلاثون رأساً من قتلى القبليين فألقوهم عند باب القلعة بالرميلة على سرير من جريد النخل وأبقوهم ثلاثة أيام ثم دفنوهم، ووجد فيهم رأس عزوز كتخدا عزبان.
وفي ذلك اليوم أمر الباشا بشنق رجلين من الغيطانية تشاجرا مع طائفة من العسكر وضرباهم وأخذا سلاحهم، ورفعت الشكوى الى الباشا فأمر بشنق الغيطانية ظلماً على الشجرة التي عند القنطرة فيما بين طريق مصر القديمة وطريق الناصرية.
وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه نظر أصحاب الدرك عدة هجانة مرت من ناحية الجبل معهم أمتعة وثياب مرسلة الى القبالي من نسائهم، فركبوا خلفهم فلم يدركوهم وأشاعوا أنهم قبضوا عليهم من غير أصل، ووصل خبرهم حسن باشا فاغتاظ من الآغا والوالي وأمرهما بالذهاب الى بيوتهم ويسمرونها عليهن، ففعلوا ذلك وقبضوا على الأغوات الطواشية والسقائين. وحصلت ضجة في البلد بين الظهر والعصر بسبب ذلك وفرت زوجة ابراهيم بك الى بيت شيخ السادات ثم إن رضوان بك قرابة علي بك تشفع في تسمير البيوت فقبلت شفاعته وأرسل لمعادي الخبيري والجيزة ومنعهم من التعدية وحجزهم الى البر الشرقي.
وفي يوم الثلاثاء وردت نجابة وعلى أيديهم مكاتبات من عابدي باشا يخبر فيها بأن يحيى بك وحسن كتخدا الجربان حضرا إليه بأمان وخلع عليهم فراوي وصحبتهم عدة من الكشاف والمماليك، وذلك بعد أن وصلوا الى أسنا وأن القبالي ذهبوا الى ناحية ابريم فتخلف عنهم المذكورون.
وفي يوم الخميس سادس عشرينه حضر إسمعيل القبطان وكان بصحبته حمامجي أوغلي وأخبر أن العسكر العثمانية ملكوا أسوان وأن الأمراء القبالي ذهبوا الى ابريم وأنهم في أسوأ حال من العري والجوع، وغالب مماليكهم لابسون الزعابيط مثل الفلاحين، وتخلف عنهم كثير من أتباعهم، فمنهم من حضر الى عابدي باشا بأمان ومنهم من تشتت في البلاد ومنهم من قتله الفلاحون وغير ذلك من المبالغات.
وفي يوم الإثنين خلع حسن باشا علي رضوان بك العلوي وقلده كشوفية الغربية، وقلد علي بك الملط كشوفية المنوفية وقرر لهما على كل بلد أربعة آلاف نصف فضة، ونزلا الى طندتا لأجل خفارة مولد السيد أحمد البدوي.
وفي هذا الشهر عمت البلوى بموت الأبقار والثيران في سائر الأقاليم البحري ووصل الى مصر حتى أنها صارت تتساقط في الطرقات وغيطان المرعى وجافت الأرض منها، فمنها ما يدركونه بالذبح ومنها ما يموت، ورخص سعر اللحم البقري جداً لكثرته حتى صار يباع بمصر آخر النهار كل رطلين بنصف فضة مع كونه سميناً غير هزيل، وعافته الناس وبعضهم كان يخاف من أكله، وأما الأرياف فكان يباع فيها بالأحمال، وبيت البقرة بما خلفها بدينار. وكثر عويل الفلاحين وبكاؤهم على البهائم وعرفوا بموتها قدر نعمتها وغلا سعر السمن واللبن والأجبان بسبب ذلك لقلتها.
شهر جمادى الآخرة، استهل بيوم الأربعاء، وكان ذلك يوم النوروز السلطاني وانتقال الشمس لبرج الحمل.
وفي يوم الإثنين سافر حمامجي أوغلي بالجوابات الى الجهة القبلية وفيها الأمر بحضور عابدي باشا وإسمعيل بك وباقي الأمراء الى مصر، وأن حسن بك ومحمد بك المبدول ويحيى بك يقيمون بأسنا محافظين.
وفي يوم الخميس سادس عشره نودي على النساء أن لا يخرجن الى موسم الخماسين المعروف عند القبط بشم النسيم وذلك يوم الإثنين صبيحة عيدهم.
وفي عشرينه نودي بإبطال المعاملة بالذهب الفندقلي الجديد واستمرت المناداة على النساء في عدم خروجهن الى الأسواق، وسبب ذلك وقائعهن مع العسكر منها أنهم وجدوا ببيت يوسف بك سكن حمامجي أوغلي نحو سبعين امرأة مقتولة ومدفونة بالإسطبلات، ومن النساء من لعبت على العسكر وأخذت ثيابه وأمثال ذلك، فنودي عليهن بسبب ذلك فتضرر المحترفات منهم مثل البلانات والدايات وبياعات الغزل والقطن والكتان ثم حصل الإطلاق وسومحن في الخروج، وفي خامس عشرينه حضرت نجابة من قبلي وحضر أيضاً حمامجي أوغلي وأخبروا أن الباشا والأمراء وصلوا الى دجرجا.
شهر رجب الفرد استهل بيوم الخميس، فيه قبض حسن باشا على أحمد قبودان المعروف بحمامجي أوغلي وحبسه، وحبس أيضاً تابعه عثمان التوقتلي، كان يسعى معه في الخبائث. وكذلك رجل يقال له مصطفى خوجة.
وفي يوم الخميس سابعه نودي على النساء أنهن إذا خرجن لحاجة يخرجن في كمالهن ولا يلبسن الحبرات الصندل ولا الإفرنجي ولا يربطن على رؤوسهن العمائم المعروفة بالقازدغلية. وذلك من مبتدعات نساء القازدغلية، وذلك أنهن يربطن الشاشات الملونة المعروفة بالمدورات ويجعلنها شبه الكعك ويملنها على جباههن معقوصات بطريقة معلومة لهن، وصار لهن نساء يتولين صناعة ذلك بأجرة على قدر مقام صاحبتها، ومنهن من تعطي الصانعة لذلك ديناراً أو أكثر أو أقل وفعل ذلك جميع النساء حتى الجواري السود.
وفي يوم الأحد حادي عشره حضر عابدي باشا وإسمعيل بك وعلي بك الدفتردار ورضوان بك بلفيا وحسن بك رضوان ومحمد بك كشكش وعبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وباقي الوجاقلية الى مصر وذهبوا الى بيوتهم، وبات الباشا في مصر القديمة.
وفي صبحها يوم الإثنين ركب عابدي باشا وطلع الى القلعة من غير موكب وطلع من جهة الصليبة، وذلك قبل آذان الظهر بنحو خمس درجات، فلما استقر بها ضربوا له مدافع من الأبراج، وبعد انقضاء المدافع أرعدت السماء رعوداً متتابعة الى العصر وأمطرت مطراً غزيراً وذلك رابع عشرين برموده القبطي وتاسع عشر نيسان الرومي، وأما حسن بك الجداوي فإنه تخلف بقنا هو وأتباعه وكذلك عثمان بك وسليم بك الاسماعيلي بأسنا وعلي بك جركس بأرمنت وعثمان بك وشاهين بك الحسينين ويحيى بك باكير بك ومحمد بك المبذول كذلك تخلفوا متفرقين في البنادر لأجل المحافظة وقاسم بك أبو سيف في منصبه بدجرجا. وأراد الباشا وإسمعيل بك أن يبقوا طائفة من الوجاقلية ومعهم طائفة من العسكر فأبوا وقالوا حتى نذهب الى مصر ونعدل حالنا وبعد ذلك نأتي.
وفي ذلك اليوم وصل الخبر بأن القبالي رجعوا الى أسوان وشرعوا في التعدية الى أسنا فأرسل إسمعيل بك الى الاختيارية فحضروا عنده بعد العصر وتكلموا في شأن ذلك بحضرة علي بك أيضاً وكذلك اجتمعوا في صبحها يوم الثلاثاء وانفصل المجسر كالأول.
وفي أواخره، وصل الخبر أنهم زحفوا الى بحري وأن حسن بك تأخر عنهم.
شهر شعبان المكرم، في أوائله، جاء الخبر أنهم وصلوا الى دجرجا وأن حسن بك والأمراء وصدوا في التأخر الى المنية، وعملت جمعيات ودواوين بسبب ذلك وشرعوا في طلوع تجريدة، ثم وقع الاختلاف بين الباشا والأمراء واستقر الأمر بينهم في الرأي أن يراسلوهم في الصلح وأنهم يقيمون في البلاد التي كانت بيد إسمعيل بك وحسن بك ويرسلوا أيوب بك الكبير والصغير وعثمان بك الأشقر وعثمان بك المرادي يكونوا بمصر رهائن وكتبوا بذلك مكاتبات وأرسلوها صحبة محمد أفندي المكتوبجي وسليمان كاشف قنبور والشيخ سليمان الفيومي.
وفيه قررت المظالم على البلاد، وهي المعروفة برفع المظالم، وكان حسن باشا عندما قدم الى مصر أبطلها وكتب برفعها فرمانات الى البلاد، فلما حضر إسمعيل بك حسن له إعادتها فأعيدت وسموها التحرير، وكتب بها فرمانات وعينت بها المعينون وتفرقوا في الجهات والأقاليم بطلبها مع ما يتبعها من الكلف وحق الطرق وغيرها، فدهى الفلاحون وأهل القرى بهذه الداهية ثانياً على ما هم فيه من موت البهائم وهياف الزرع وسلاطة الفيران الكثيرة على غيطان الغلة والمقاثي وغيرها، وما هم فيه من تكلف المشاق الطارئ عليهم أيضاً بسبب موت البهائم في الدراس وأداروا السواقي بأيديهم وعوافيهم أو بالحمير أو الخيل أو الجمال لمن عنده مقدرة على شرائها، وغلت أثمانها بسبب ذلك الى الغاية، فتغيرت قلوب الخلق جميعاً على حسن باشا وخاب ظنهم فيه وتمنوا زواله وفشا شر جماعته وعساكره القليونجية في الناس وزاد فسقهم وشرهم وطمعهم وانتهكوا حرمة المصر وأهله الى الغاية.
وفي خامسه يوم الأربعاء توفي أحمد كتخدا المجنون وقلدوا مكانه في كتخدائية مستحفظان رضوان جاويش تابعه عوضاً عنه.
وفيه قتل عثمان التوقتلي بالرميلة رفيق حمامجي أوغلي بعد أن عوقب بأنواع العذاب مدة حبسه واستصفيت منه جميع الأموال التي كان يملكها واختلسها ودل على غيرها حمامجي أوغلي واستمر حمامجي أوغلي في الترسيم.
وفيه قبض على سراج متوجه الى قبلي ومعه دراهم وأمتعة وغير ذلك، فأخذت منه ورمي عنقه ظلماً بالرميلة.
واستهل شهر رمضان المعظم بيوم الأحد، فيه اختصرت الأمراء من وقدة القناديل في البيوت عن العادة، وعبى إسمعيل بك هدية جليلة وأرسلها الى حسن باشا وهي سبع فروق بن وخمسون تفصيلة هندي عال مختلفة الأجناس وأربعة آلاف نصفية دنانير نقد مطروقة وجملة من بخور العود والعنبر وغير ذلك، فأعطى للشيالين على سبيل الإنعام أربعة عشر قرشاً رومية عنها خمسمائة وستون نصفاً فضة.
وفي يوم الثلاثاء عاشره حضر المحمل صحبة رجل من الأشراف، وذلك أنه لما وقع للحجاج من العربان ما وقع في العام الماضي ونهبوا الحجاج وأخذوا المحمل بقي عندهم الى أن جيش عليهم الشريف سرور وحاربهم وقاتلهم قتالاً شديداً وأفنى منهم خلائق لا تحصى واستخلص منهم المحمل وأرسله الى مصر صحبة ذلك الشريف، وقيل إن الشريف الذي حضر به هو الذي افتداه من العرب بأربعمائة ريال فرانسه، فلما حضر خرج الى ملاقاته الأشاير والمحملدارية وأرباب الوظائف ودخلوا به من باب النصر وأمامه الأشاير والطبول والزمور. وذلك الشريف راكب أمامه أيضاً.
وفي ذلك اليوم بعد أذان العصر بساعتين، وقعت حادثة مهولة مزعجة يخط البندقانيين وذلك أن رجلاً عطاراً يسمى أحمد ميلاد وحانوته تجاه خان البهار اشترى جانب بارود انكليزي من الفرنج في برميلين وبطة ووضعها في داخل الحانوت، فحضر إليه جماعة من أهل الينبع وساوموه على جانب بارود وطلبوا منهم شيئاً ليروه ويجربوه، فأحضر البطة وصب منها شيئاً في المنقد الذي يعد فيه الدراهم ووضعوه على قطعة كاغد وأحضروا قطعة يدك وطيروا ذلك البارود عن الكاغد، فأعجبهم، ومن خصوصية البارود الانكليزي إذا وضع منه شيء على كاغد وطير فالنار لا تؤثر في الكاغد، ثم رموا بالقطعة اليدك على مصطبة الحانوت وشرع يزن لهم وهم يضعونه في ظرفهم ويتساقط فيما بين ذلك من حباته، وانتشر بعضها الى ناحية اليدك وهم لا يشعرون، فاشتعلت تلك الحبات واتصلت بما في أيديهم وبالبطة ففرقعت مثل المدفع العظيم واتصلت النار بذينك البرميلين كذلك فارتفع عقد الحانوت وما جاوره بما على تلك العقود من الأبنية والبيوت والربع والطباق في الهواء والتهبت بأجمعها ناراً، وسقطت بمن فيها من السكان على من كان أسفلها من الناس الواقفين والمارين، وصارت كوماً يظن من لم يكن رآه قبل ذلك أنه له مائة عام وذلك كله في طرفة عين، بحيث أن الواقف في ذلك السوق أو المار لم يمكنه الفرار والبعيد أصيب في بعض أعضائه إما من النار أو الردم، وكان السوق في ذلك الوقت مزدحماً بالناس خصوصاً وعصرية رمضان، وذلك السوق مشتمل على غالب حوائج الناس، وبه حوانيت العطارين والزياتين والقبانية والصيارف وبياعي الكنافة والقطائف والبطيخ، والعبدلاوي ودكاكين المزينين والقهاوي، وغالب جيران تلك الجهة وسكان السبع قاعات وشمس الدولة يأتون في تلك الحصة ويجلسون على الحوانيت لأجل التسلي، والحاصل أن كل من كان حاصلاً بتلك البقعة في ذلك الوقت سواء كان عالياً أو متسفلاً أو ماراً أو واقفاً لحاجة أو جالساً أصيب البتة، وكان ذلك العطار يبيع غالب الأصناف من رصاص وقصدير ونحاس وكحل وكبريت وعنده موازين شبه الجلل، فلما اشتعل ذلك البارود صارت تلك الجلل وقطع الرصاص والكحل والمغناطيس تتطاير مثل جلل المدافع حتى أحرقت واجهة الربع المقابل لها، وكان خان البهار مقفولاً متخرباً وبابه كبير مسماري فصدمه بعض الجلل وكسر واشتعل بالنار، واتصل بالطباق التي تعلو ذلك الخان ووقعت ضجة عظيمة، وكل من كان قريباً وسلم أسرع يطلب الفرار والنجاة وما يدري أي شيء القضية، فلما وقعت تلك الضجة وصرخت النساء من كل جهة وانزعجت الناس انزعاجاً شديداً وارتجت الأرض واتصلت الرجة الى نواحي الأزهر والمشهد الحسيني ظنوها زلزلة، وشرع تجار خان الحمزاوي في نقل بضائعهم من الحواصل، فإن النار تطايرت إليه من ظاهره وحضر الآغا والوالي فتسلم الآغا جهة الحمزاوي وتسلم الوالي جهة شمس الدولة وتتبعوا النار حتى أخمدوها وختموا على دكاكين الناس التي بذلك الخط وأرسلوا ختموا بيت أحمد ميلاد الذي خرجت النار من حانوته بعد أن أخرجوا منه النساء، ثم أفرجوا عنهم بأمر إسمعيل بك، وأحضروا في صبحها نحو المائتين فاعل وشرعوا في نبش الأتربة وإخراج القتلى وأخذ ما يجدونه من الأسباب والأمتعة. وما في داخل الحوانيت من البضائع والنقود وما سقط من الدور من فرش وأوان ومصاغ النساء وغير ذلك شيئاً كثيراً حتى الحوانيت التي لم يصبها الهدم فتحوها وأخذوا ما فيها وأصحابها ينظرون، ومن طلب شيئاً من متاعه يقال له هو عندنا حتى تثبته هذا إذا كان صاحبه ممن يخاطب ويصغى إليه وقيامة قائمة، ومن يقرأ ومن يسمع، ووقفت أتباعهم بالنبابيت من كل جهة يطردون الناس ولا يمكنون أحداً من أخذ شيء جملة كافية، وأما القتلى فإن من كان في السوق أو قريباً من تلك الحانوت والنار فإنه احترق، ومن كان في العلو من الطباق انهرس ومنهم من احترق بعضه وانهرس باقيه، وإذا ظهر وكان عليه شيء أو معه شيء أخذوه، وإن كانت امرأة جردوها وأخذوا حليها ومصاغها ثم لا يمكنون أقاربهم من أخذهم إلا بدراهم يأخذونها، وكأنما فتح لهم باب الغنيمة، ولما كشفوا عن أحمد ميلاد وحانوته وجدوه تمزق واحترق وصار قطعاً مثل الفحم، فجمعوا منه ست قطع وأخذوا شيئاً كثيراً من حانوته ودراهم وودائع كانت أسفل الحانوت لم تصبها النار، وكتم عليها الردم والتراب. وكذلك حانوت رجل زيات انهدم على صاحبه فكشفوا عنه وأخرجوه ميتاً وأخذوا من حانوته مبلغ دراهم، وكذلك من بيت صباغ الحرير بجوار الحمزاوي انهدمت داره أيضاً وأخذوا ما فيها، ومن جملتها صندوق ضمنه دراهم لها صورة ونحو ذلك، واستمر الحال على ذلك أربعة أيام في حفر ونبش وإخراج قتلى وجنائز وبلغت القتلى التي أخرجت نيفاً عن مائة نفس، وذلك خلاف ما بقي تحت الردم منهم أمام الزاوية المجاورة لذلك، فإنها انخسفت أيضاً على الامام وبقي تحت الردم، ولم يجدوا بقية أعضاء أحمد ميلاد وفقدوا دماغه فجمعوا أعضاءه ووضعوها في كيس قماش ودفنوه وسدوا على تلك الخطة من الجهتين، وتركوها كما هي مدة أيام ونظفت وعمرت بعد ذلك، فكانت هذه الحادثة من أعظم الحوادث المزعجة. رجل زيات انهدم على صاحبه فكشفوا عنه وأخرجوه ميتاً وأخذوا من حانوته مبلغ دراهم، وكذلك من بيت صباغ الحرير بجوار الحمزاوي انهدمت داره أيضاً وأخذوا ما فيها، ومن جملتها صندوق ضمنه دراهم لها صورة ونحو ذلك، واستمر الحال على ذلك أربعة أيام في حفر ونبش وإخراج قتلى وجنائز وبلغت القتلى التي أخرجت نيفاً عن مائة نفس، وذلك خلاف ما بقي تحت الردم منهم أمام الزاوية المجاورة لذلك، فإنها انخسفت أيضاً على الامام وبقي تحت الردم، ولم يجدوا بقية أعضاء أحمد ميلاد وفقدوا دماغه فجمعوا أعضاءه ووضعوها في كيس قماش ودفنوه وسدوا على تلك الخطة من الجهتين، وتركوها كما هي مدة أيام ونظفت وعمرت بعد ذلك، فكانت هذه الحادثة من أعظم الحوادث المزعجة.
وفي يوم الخميس حضر الرسل من عند القبليين وحضر أيوب بك الكبير رهينة عن المماليك المحمدية وعثمان بك الطنبرجي عن مراد بك وعبد الرحمن بك عن ابراهيم بك فذهبوا الى حسن باشا وقابلوه، وكذلك قابلوا عابدي باشا ثم اجتمع الأمراء عند حسن باشا، وتكلموا في شأن هؤلاء الجماعة وقالوا هؤلاء ليسوا المطلوبين، ولم يأت إلا أيوب بك الكبير من المطلوبين، ولم يأت عثمان بك الأشقر وأيوب بك الصغير، فاتفق الرأي على إعادة الجواب فكتبوا جوابات أخرى وأرسلوها صحبة سلحدار حسن باشا.
وفي هذا الشهر أخذت القرصان ثلاثة غلايين وفيها أناس من أتباع الدولة وأعيانها، ووصل بوقوع حريق عظيم ببندر جدة، وتوفي أحمد باشا واليها وعبى علي بك الدفتردار كساوى للأمراء فأرسل الى إسمعيل بك وحسن بك الجداوي ورضوان بك وباقي الصناجق والأمراء حتى لحريمهم وأتباعهم وأرسل أيضاً لطائفة الفقهاء وفتح السفر لجهة الموستو وتقليد باكير قبطان باشا قائمقام عن حسن باشا.
وفي منتصفه وقعت حادثة بثغر بولاق بين طائفة القليونجية والفلاحين باعة البطيخ، وذلك أن شخصاً قليونجياً ساوم على بطيخة وأعطاه دون ثمنها، فامتنع وتشاجر معه فوكزه العسكري بسكين فزعق الفلاح على شيعته، وزعق الآخر على رفقائه، فاجتمع الفريقان ووقع بينهم مقتلة كبيرة قتل فيها من الفلاحين نحو ثلاثين إنساناً ومن القليونجية نحو أربعة.
وفي يوم الأحد ثاني عشرينه قررت تفريدة على بلاد الأرياف أعلى وأوسط وأدنى، الأعلى خمسة وعشرون ألفاً نصف فضة والأوسط سبعة عشر ألف، والأدنى تسعة آلاف، وذلك خلاف ما يتبعها من الكلف وحق الطرق.
وفيه رفعوا خفارة البحرين عن بن حبيب وكذلك الموارد والتزم بها رضوان بك على خمسين كيساً يقوم بها في كل سنة لطرف الميري، وسبب ذلك منافسة وقعت بينه وبين بن حبيب، فإنه لما تولى المنوفية ومر على دجوة أرسل له بن حبيب تقدمة فاستقلها، ثم أرسل إليه بعد ارتحاله من الناحية يطلب منه جمالاً وأشياء، فامتنع بن حبيب فأرسل يطلبه ليقابله، فلم يذهب إليه واعتذر، ولما رجع نزل إليه ابنه علي بالضيافة فعاتبه على امتناع أبيه من مقابلته، وأضمر له في نفسه وتكلم معه حسن باشا في رفع ذلك عنهم، والتزم بالقدر المذكور، وطريقة العثمانية الميل الى الدنيا بأي وجه كان فأخرج فرماناً بذلك.
وفي ثاني شوال برزت الأمراء المعينون لجمع الفردة وهم سليم بك الاسماعيلي للغربية وشاهين بك الحسيني لإقليم المنصورة علي بك الحسيني لإقليم المنوفية ومحمد بك كشكش للشرقية وعثمان بك الحسيني للجيزة وعثمان كاشف الاسماعيلي للفيوم ويوسف كاشف الاسماعيلي للبهنسا وأحمد كاشف للجيزة.
وفي ثامنه حضر سلحدار الباشا وسليمان كاشف قنبور المسافران بالجوابات الى الأمراء القبليين، وذلك أنهم أرسلوا بطلب بلاد أخرى زيادة على ما عينوا لهم، وقالوا إن هذه البلاد لا تكفينا، فأمر لهم حسن باشا بخمسة بلاد أخرى، فقال إسمعيل بك: اطلبوا منهم حلواناً، فقال إسمعيل كاشف قنبور اجعلوا ما أخذ من بيوتهم في نظير الحلوان فقال كذلك.
وفي عاشره حضر قاصد من الحجاز بمراسلة من الشريف سرور يخبر فيها بعصيان عرب جرب وغيرهم وقعودهم على الطريق ومنعهم السبيل، ويحتاج أن أمير الحاج يكون في قوة واستعداد وأن الحرب قائمة بينهم وبين الشريف، وخرج إليهم في نحو خمسة عشر ألفاً.
وفي منتصفه كمل عمارة التكية المجاورة لقصر العيني المعروفة بتكية البكتاشية وخبرها أن هذه التكية موقوفة على طائفة من الأعجام المعروفين بالبكتاشية، وكانت قد تلاشى أمرها وآلت الى الخراب وصارت في غاية من القذارة، ومات شيخها وتنازع مشيختها رجل أصله من سراجين مراد بك وغلام يدعي أنه من ذرية مشايخها المقبورين، فغلب على الغلام ذلك الرجل لانتسابه الى الأمراء، وسافر الى إسكندرية فصادف مجيء حسن باشا واجتمع به وهو بهيئة الدراويش، وهم يميلون لذلك النوع وصار من أخصائه لكونه من أهل عقيدته، وحضر صحبته الى مصر وصار له ذكر وشهرة ويقال له الدرويش صالح، فشرع في تعمير التكية المذكورة من رشوات مناصب المكوس التي توسط لأربابها مع حسن باشا، فعمرها وبنى أسوارها وأسوار الغيطان الموقوفة عليها المحيطة بها، وأنشأ بها صهريجاً في فسحة القبة. ورتب لها تراتيب ومطبخاً، وأنشأ خارجها مصلى باسم حسن باشا، فلما تم ذلك عمل وليمة ودعا جميع الأمراء، فحصل عندهم وسوسة واعتدوا وركبوا بعد العصر بجميع مماليكهم وأتباعهم وهم بالأسلحة متحذرين، فمد لهم سماطاً وجلسوا عليه وأوهموا الأكل لظنهم الطعام مسموماً، وقاموا وتفرقوا خارج القصر والمراكب وعمل شنك وحراقة نفوط وبارود ظنوا غرابته، ثم ركبوا في حصة من الليل وذهبوا الى بيوتهم.
وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج المحمل وأمير الحجاج غيطاس بك في موكب محتقر بدون الينكجرية والعزب مثل العام الماضي، فخرجوا الى الحصوة وأقاموا هناك ولم يذهبوا الى البركة.
وفي يوم الثلاثء غايته ارتحل الحجاج من الحصوة الى البركة بعد العصر، وارتحلوا في ضحوة يوم لأربعاء غرة شهر القعدة.
شهر القعدة الحرام، في ثالثه يوم الجمعة الموافق لثالث عشر مسرى القبطي، أو في النيل المبارك أذرعه ونودي بذلك وعمل الشنك وركب حسن باشا في صبحها وكسروا السد بحضرته، وجرى الماء في الخليج ولم يحضر عابدي باشا لمرضه.
وفي سادسه نودي على المماليك أن لا يركبوا من بيوت أسيادهم منفردين أبداً فترك ذلك في جملة المتروكات، وتزوج المماليك وصار لهم بيوت وخدم ويركبون ويغذون ويروحون ويشربون الدخان وهم راكبون في الشارع الأعظم وفي أيديهم شبكات الدخان من غير إنكار. وهم في الرق ولا يخطر ببالهم خروجهم عن الأدب لعدم إنكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الأمور، فإذا مات بعض الأعيان بادر أحد المماليك الى سيده الأمير صاحب الشوكة وقبل يده وطلب منه أن ينعم عليه بزوجة الميت، فيجيبه الى ذلك، ثم تراه ركب في الوقت والساعة وذهب الى بيت المتوفى ولو قبل خروج جنازته، ونزل في البيت وجلس فيه وتصرف في تعلقاته وحازه وملكه بما فيه، وأقام بمجلس الرجال ينتظر انقضاء العدة ويأمر وينهي ويطلب الغداء والعشاء والفطور والقهوة والشربات من الحريم، ويتصرف تصرف الملاك، وربما وافق ذلك غرض المرأة، فإذا رأته شاباً مليحاً قوياً وكان زوجها المقبور بخلاف ذلك أظهرت له المخبآت والمدخرات، فيصبح أميراً من غير تأمر وتتعدد عنده الخيول والخدم والفراشون والأصحاب، ويركب ويذهب ويجيء الى بيت سيده وفي حاجاته وغير ذلك، فجرى يوماً بمجلس حسن باشا ذكر ركوب المماليك على انفرادهم في الأسواق بحضرة بعض الاختيارية. فقالوا إنه قلة أدب وخلاف العادة القديمة التي رأيناها وتربينا عليها، فقال الباشا اكتبوا فرماناً بمنع ذلك ففعلوا ذلك ونادوا به من قبيل الشغل الفارغ.
وفي سابعه ثقل عابدي باشا في المرض وأشيع موته.
وفي حادي عشره حضر حسين بك المعروف بشفت من قبلي في جملة الرهائن وقابل الباشا وأقام بمصر.
وفي منتصفه عوفي عابدي باشا من مرضه وشرعوا في طلب المال الشتوي، فضج الملتزمون وتكلم الوجاقلية في الديوان وقالوا: من أين لنا ما ندفعه وما صدقنا بخلاص المظالم والصيفي والفردة ولم يبق عندنا ولا عند الفلاحين شيء أعطونا الجامكية وفرح الناس بذلك، ثم تبين أن لا أحد يأخذ رجعة إلا بقدر ما عليه من الميري، وإن زاد له شيء يبقى له وديعة بالدفتر وإن لم يكن له جامكية يدفع ما عليه نقداً، فصار بعض الملتزمين يأتي بأسماء برانية وينسبها لنفسه، لأجل غلاق المطلوب منه، فاتضحت تلك النسبة له بمراجعة الدفتر، ثم منعوا كتابة الرجع وصار الأفندية يكشفون على الدفاتر ويملون ويسددون بأنفسهم، فمن زاد له شيء تبقى بالدفتر ومن زاد عليه شيء طلب منه.
وفي عشرينه ذهب الأمراء الى حسن باشا وهم إسمعيل بك وحسن بك وعلي بك وباقي الأمراء، فتكلم معهم بسبب الأموال التي جعلها عليهم والميري المطلوب منهم ومن أتباعهم. وقال لهم: أنا مسافر بعد الأضحى ولابد من تشهيل المطلوب، فاعتذروا وطلبوا المهلة فشنع عليهم ووبخهم بالكلام التركي، ومن جملة ما قال لهم: أنتم وجوهكم مثل الحيط، وأمثال ذلك. فخرجوا من عنده وهم في غاية من القهر، وكان ذلك بإغراء إسمعيل بك، ولما ذهب إسمعيل بك الى بيته طلب أمراءه وشنع عليهم كما شنع عليه الباشا وحلف أن كل من تبقى عليه شيء ولو ألف درهم سلمه للباشا يقطع رأسه.
وفي يوم الخميس غايته طلعوا عند عابدي باشا فطالبهم بالميري أيضاً وشنع عليهم وخصوصاً قاسم بك أباسيف وحلف أنه يحاسبهم حتى يدفعوا ما عليهم.
واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة، وفيه حضر الآغا وعلى يده مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة.
وفيه أيضاً قوي عزم حسن باشا على السفر الى بلاد الروم وأعطى لإسمعيل بك جملة مدافع وقنابر وآلات حرب وصنع له قليوناً صغيراً وقرر ألفاً وخمسمائة عسكري يقيمون بمصر.
وفي يوم الخميس رابع عشره عمل حسن باشا ديواناً بالقصر وحضر عنده عابدي باشا والمشايخ وسائر الأمراء بسبب قراءة مراسيم حضرت من الدولة، فقرأوا منها ثلاثة وفيها طلب حسن باشا الى الديار الرومية بسبب حركة السفر الى لجهاد، وان الموسقو زحفوا على البلاد واستولوا على ما بقي من بلاد القرم وغيرها، والثاني فيه ذكر العفو عن ابراهيم بك ومراد بك من القتل، وأن يقيم ابراهيم بك بقنا ومراد بك بأسنا ولا إذن لهم في دخول مصر جملة كافية.
وفيه نودي على صرف الريال الفرانسة بمائة نصف فضة، وكان وصل الى مائة وعشرة فتضرر الناس من ذلك.
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه ركب الأمراء بأسرهم لوداع حسن باشا وكان في عزمه النزول في المراكب بعد صلاة الجمعة، فلما تكاملوا عنده قبض على الرهائن وهم عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحسين بك شفت وعبد الرحمن بك الابراهيمي، ثم أمر بالقبض على حسن كتخدا الجربان وسليمان كاشف قنبور فهرب حسن كتخدا وساق جواده فتبعه جماعة من العسكر، فلم يزل رامحاً وهم خلفه حتى دخل بيت حسن بك الجداوي ودخل الى باب الحريم وكان حسن بك بالقصر، فرجع العسكر وأخبروا الباشا بحضرة إسمعيل بك فطلب حسن بك وسأله إسمعيل بك، فقال: إن كان في بيتي خذوه، فأرسلوا وأحضروه ووضعوه صحبة المقيدين.
وفي يوم السبت ثالث عشرينه سافر حسن باشا من مصر وأخذ معه الرهائن، وسافر صحبته ابراهيم بك قشطة ليشيعه الى رشيد، وزار في طريقه سيدي أحمد البدوي بطندتا، ولم يحصل من مجيئه الى مصر وذهابه منها إلا الضرر، ولم يبطل بدعة ولم يرفع مظلمة بل تقررت به المظالم والحوادث، فإنهم كانوا يفعلونها قبل ذلك مثل السرقة ويخافون من إشاعتها وبلوغ خبرها الى الدولة، فينكرون عليهم ذلك وخابت فيه الآمال والظنون، وهلك بقدومه إليها ثم التي عليها مدار نظام العالم وزاد في المظالم التحرير، لأنه كان عندما قدم أبطل رفع المظالم ثم أعاده بإشارة إسمعيل بك وسماه التحرير فجعله مظلمة زائدة، وبقي يقال رفع المظالم والتحرير، فصار يقبض من البلاد خلاف أموال الخراج عدة أقلام منها المضاف والبراني وعوائد الكشوفية والفرد المتعددة ورفع المظالم والتحرير ومال الجهات وغير ذلك، ولو مات حسن باشا بالإسكندرية أو رشيد لهلك عليه أهل الإقليم أسفاً وبنوا على قبره مزاراً وقبة وضريحاً يقصد للزيارة.